ازمة بين النادى الاهلى واللجنة الاوليمبية
هشام حطب ، خالد عبد العزيز، محمود طاهر

اللائحة الاسترشادية تغتصب اندية الطبقة الوسطى و رئيس الوزراء يتبرأ من خطيئة الوزير

جمال طه يكتب للوطن:

%75 من الاندية المصرية اغتصبتها اللائحة الاسترشادية

تصعيد الأزمة بين الاهلى والاوليمبية، يهدد برد فعل من «الدولية» مضاد للدولة

نتباهى بأننا نشأنا وترعرعنا فى الطبقة الوسطى، فهى محرك التقدم وباعث التنمية فى أى مجتمع، وتشكل مصدراً للاعتدال والأمن.. أوائل السبعينات بدأت حياتى العملية، وضمنت دخلاً ثابتاً، فالتحقت كعضو عامل بناديى الجزيرة والشمس، النوادى الاجتماعية القديمة كانت ولا تزال مراكز تجمع و «تنفس» للطبقة الوسطى، وتعبيراً عن هيبتها ومكانتها الاجتماعية، الدولة آنذاك دعمتها، ومنحت العديد من فئاتها تخفيضاً بنسبة 50% من قيمة اشتراكات النوادى «القوات المسلحة، الشرطة، القضاة، الصحفيين، وزارة الشباب، اللجنة الأولمبية..»، لكنها بداية القرن الحادى والعشرين بدأت تتخلى عن كثير من وظائفها، وبات على أبناء تلك الطبقة تحمل أعباء جديدة؛ أهمها تكلفة تعليم الأبناء فى المدارس والجامعات الخاصة، وتحمل تكاليف الدروس الخصوصية، كما اتجهت لتحمل تكلفة العلاج الخاص بعد تراجع مستوى التأمين الصحى، ناهيك عن الطفرة فى تكلفة المساكن، وجاء التعويم العشوائى ليتراجع بالقيمة الشرائية للجنيه، ويرفع معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة قاربت الـ40%، ليضاعف أسعار السلع عدة مرات، وانفجرت فواتير المياه والكهرباء إلى حد باتت تهدد بالعجز عن سدادها.. كل تلك العوامل أفقدت الطبقة الوسطى أمل الصعود والالتحاق بالطبقة العليا، وأثرت على مستوى معيشتها، فتساقطت آلاف الأسر منها إلى الطبقات الفقيرة كل عام، لكنها رغم كل ذلك ظلت متمسكة بعضويتها فى النوادى الاجتماعية الكبرى تعلقاً بأهداب الطبقة الوسطى.. فكيف يستهدف وزير الشباب نوادينا؟!

أزمة النوادى واللائحة الاسترشادية تمتد جذورها إلى عام 2014، طاهر أبوزيد، وزير الرياضة آنذاك، أصدر لائحة جديدة للنظام الأساسى، اعترضت عليها «اللجنة الأولمبية المصرية» لما تعكسه من تدخل حكومى، وتقدمت بشكوى لـ«اللجنة الأولمبية الدولية»، النوادى انحازت لـ«الأولمبية المصرية»، والأهلى تظلم لـ«الفيفا»، «الدولية» أوصت بإيقاف العمل باللائحة وإصدار قانون جديد للرياضة، و«الفيفا» هدد بتجميد النشاط الكروى، تضامن «الأولمبية المصرية» مع الأندية أطاح بالوزير خلال أيام قليلة، و«الدولية» منحت مصر مهلة ثلاث سنوات لتعديل قانون الرياضة ليتمشى والمعايير الدولية، بحيث يمنع التدخلات الحكومية فى شئون المنظمات الرياضية الوطنية، ويحترم مبدأ استقلالية الحركة الرياضية، القانون «71 لسنة 2017» اعتمده البرلمان، ودخل حيز التنفيذ بداية يونيو «2017»، الأولمبية الدولية أشادت به، لأنه أعطى الحق لكل مؤسسة رياضية بامتلاك لائحتها الخاصة بها، لكن وزارة الرياضة تحايلت عليه؛ الوزير استوعب درس أبوزيد، وطرح «لائحته الاسترشادية» منتصف يونيو، بالتضامن مع «الأولمبية المصرية» هذه المرة.. الأندية رحبت بالقانون، ورفضت اللائحة، لأنها تتسم بالجمود، تفتقد مرونة التمييز حتى فيما يتعلق بعدد أعضاء مجلس الإدارة، بين أندية عملاقة تصل جمعيتها العمومية فى الشمس على سبيل المثال إلى ربع مليون عضو، وأندية أخرى صغيرة، فضلاً عما تحويه من عوار قانونى وتدخل فى شئون الأندية، والانتقاص من حقوق الجمعيات العمومية، بما تفرضه من قيود على اعتمادها للائحتها الخاصة، إذ فرضت إعدادها، وإقرار جمعياتهم العمومية لها، قبل الأول من سبتمبر المقبل، بنصاب قانونى لا يقل عن 8% من الأعضاء، وإلا خضعت لـ«الاسترشادية»، وأن تجرى انتخاباتها قبل بداية ديسمبر 2017، وفقاً للقانون الجديد، وفتحت الباب لأصحاب المؤهلات المتوسطة بالترشح لمجالس إدارات الأندية، رغم أن دورها الاجتماعى والتربوى والثقافى الحساس يفرض أن يكون اختيار أعضاء المجلس من بين الأعلى مؤهلاً والأرقى تعليماً وثقافة.. فى مواجهة غضبة الأندية شكلت «الأولمبية المصرية» مركزاً للتسوية والتحكيم الرياضى، ليلجأ إليه المتضرر من تطبيق القانون الجديد أو «الاسترشادية»، لكنها اختارت أعضاءه بالتعيين المباشر، من نواب البرلمان والمستشارين!! فتحولت إلى خصم يختار الحكم، ما يطرح شبهة المجاملة، رغم أن المفروض أن تلتزم بإحالة الإشكاليات إلى القضاء، لتسويتها بالدستور والقانون، أو اللجوء إلى «المحكمة الدولية».



قوانين انتخاب رئيس الجمهورية ونواب البرلمان لا تحدد نصاباً قانونياً لعدد المصوتين، فهل تصويت الأندية أهم حتى نحدد لها نصاباً يصل فى الأهلى والشمس إلى 12500 عضو؟! وإذا كان ذلك كذلك فلماذا لم يتم الطعن على إقرار الجمعية العمومية للأهلى لميزانية تقدر بنحو مليار جنيه رغم عدم تجاوز عدد المشاركين فيها 800 عضو؟!.. التصويت فى الرئاسية والبرلمانية يتم على يومين، فما مبررات عدم قانونيته فى «الاسترشادية»؟!.. اختيار توقيت التصويت يؤثر بشدة على نسبة المشاركة، وعندما يفرض الوزير عقد الجمعيات العمومية للأندية خلال أغسطس، موسم الأجازات، ولجوء معظم المنتمين للطبقة الوسطى إلى المصايف، فلا موضع للشك فى أنه يرغب فى تعجيز عموميات الأندية عن توفير النصاب اللازم لإقرار لوائحها الخاصة، وإخضاعها لـ«الاسترشادية».. الأخيرة تمنع أعضاء الفروع من التصويت أو حضور الجمعية العمومية للنوادى، على الرغم من أن أعضاء النادى الأصليين هم من يتحملون أعباء تأسيس الفروع كاملة، بتصميمات عصرية أكثر تطوراً وحداثة من المقرات الأصلية، ثم ينضم أعضاء جدد متحملين أعباء مماثلة توجه لتطوير الخدمات، لذلك فإن المقرات والفروع تصبح متساوية تماماً فى الحقوق والواجبات، فما هو المبرر القانونى الذى استندت إليه «الاسترشادية» لإسقاط حق أعضاء الفروع فى عضوية الجمعيات العمومية وفى التصويت؟! وهل يتسع المبنى الأصلى لاستيعاب جمعية عمومية من أعضاء النادى الأصلى وأعضاء الفروع؟! وهل يمكن توفير أماكن كافية للتصويت؟! وكيف يمكن توفير طاقم إدارى وإشرافى وأمنى وقضائى لإنجاز عملية التصويت والفرز وإعلان النتائج بيسر وأمان؟!.. هى بالفعل لائحة معيبة.

أعضاء نادينا «الجزيرة» وشقيقه هليوبوليس أدركوا التحدى وفرضوا استقلالهم، الشمس «أكبر الأندية» والصيد والزهور والمعادى وقعوا فى فخ «الاسترشادية»، الأهلى حقق النصاب، وأقر لائحته، لكن الوزير و«الأولمبية المصرية» أوقعاه فى مزالق اللائحة متعللين بقيودها اللامنطقية، مستنكرين عداء مجلس إدارته لهم، متناسين أنه مجلس معين فلا مبرر للعداء!!، نسبة النوادى والهيئات الرياضية التى نجحت فى إقرار لوائحها الخاصة قرابة الربع، بينما من اغتصبتهم «الاسترشادية» نحو 75%، وهو ما يستهدفه الوزير حتى تظل خاضعة له ولـ«الأولمبية»، وتلك سذاجة سياسية، لا تعى متغيرات العصر.. تصعيد الأزمة يهدد برد فعل من «الدولية» مضاد للدولة، على نحو ما حدث «يناير 2014» عندما اضطر حازم الببلاوى، رئيس الحكومة آنذاك، إلى وقف قرار أبوزيد وزير الرياضة بإقالة مجلس إدارة الأهلى، ودفعه للاستقالة، تجنباً لوقف «الدولية» للنشاط الرياضى بمصر، ولعل ذلك يفسر حرص شريف إسماعيل رئيس الحكومة على التصويت، وإبراز رفضه للائحة باعتباره عضواً لعمومية نادى هليوبوليس، لينفض يده من خطيئة الوزير، ويعفى نفسه من تبعاتها.. فهل هناك فرصة لمعالجة الأزمة، قبل أن تخرج من أيدينا إلى «لوزان» مقر «الأولمبية الدولية»!؟

نقلا عن جريدة الوطن بتاريخ الجمعة 31 أغسطس 2017

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*